تصميم الموقع حــسام هــشام ألعيــداني ، المواضيع تعبر عن رأي كاتبها و لاتتحمل ادارة الموقع اي مسؤلية 
Copyright © 2010, All rights reserved to the Mandaean Association in Netherlands / Hague ,Inc Developed and Web designer By Hossam Hisham al Edani
 

   
 
  ثابت بن قُرة الصابئي

العالم الفيلسوف الطبيب و الفلكي و المهندس 

ثابت بن قُرّة الصابئي الحراني 

 

مقدمة:  
لعب صابئة حران دوراً  مهماً  في  تاريخ  الحضارة  الأسلامية ،  ويؤكد عدد من المؤرخين  انه  نبغ  من  بينهم  في  العصر   العباسي،  ما لايقل عن  ثلاثين  عالماً،  في الكثير من  فروع  العلم  والمعرفة ،  وبخاصة  في  الفلك  والطب  والفلسفة  والرياضيات  والترجمة  والتاريخ  وغيرها  . . . . .
 
اذا  حللنا  اسباب  نبوغ  هذا  العدد  الكبير  ولاسيما  بالنسبة  الى  قلة  قليلة  العدد  كالصابئة، لانجد  في  الأمر معجزة  او  مجرد  صدفة  تاريخية،  وانما  نتيجة  جملة  من  العوامل  نذكر  منها:
 
اولاً :  كان  اهل  حران  ورثة  حضارة  عريقة  تمتد  بجذورها  الى  تاريخ  الشرق  القديم،  فمدينتهم  كانت  أحد  المراكز  الرئيسية  للحضارة  الآرامية،  وارثة  حضارات  الشرق  الأدنى  القديم  من  بابلية  وكنعانية  وآشورية  وكلدانية.  كما  غدت  حرّان ،  بعد  فتوحات  الاسكندر  الكبير  المقدوني  (323 ق . م)  ،  احد  مراكز  الثقافة  اليونانية.  ويضاف  الى  ذلك  ان  الموقع  الجغرافي  للمدينة في الجزيرة  الفراتية  لم  يجعل  منها  سوقاً  عالمية  لمتاجر  الشرق  والغرب  فحسب،  وانما  ساحة  للحوار  والتفاعل  بين  حضارات  الشرق  الأدنى  القديم  وحضارات  فارس والشرق  الأقصى  من  ناحية  وحضارات  اليونان  والرومان  والبزينطيين  من  ناحية  اخرى.
 
ثانياً : حظيت  مدينة  حران  بمكانة  كبيرة  بعد  الفتوحات  العربية  الأسلامية،  فقد  اتخذها  الخليفة  الأموي  مروان  بين  محمد (132 هـ / 750 م) عاصمة  لدولته  وغدت  المقر  المفضل  لأبي  جعفر  المنصور  (158 هـ / 775 م) عندما  كان  والياً  على  الجزيرة  وأرمينيا .  كما  انتقل  اليها  في  عهد  الخليفة  العباسي  المتوكل  على  الله  (247 هـ / 861 م) ’’مجلس  التعليم ‘‘ الذي  كان  قبل  ذلك  في  انطاكية.  وكان  هذا  المجلس  في  حقيقته  ’’مدرسة ‘‘ تعنى  بتعليم  الفلسفة  والطب  والهندسة  والفلك،  باللغتين  السريانية  واليونانية.  وقد نقل  اليونان اسم  حرّان الى الكرخة  Carrhea    اذ ليس  لديهم  خرف  الحاء.  وحران مجاورة للرها وكانت مركزاً   فكرياً ودينياً  هاماً  فالثقافة  اليونانية كانت  منتعشة فيها ، فبالأضافة  للصابئة  انتشرت فيها المسيحية التي كانت مقسومة الى مذهبين :  مذهب  انصار  الطبيعة  الواحدة  او  اليعاقبة  ومذهب  الخلقدونيين [ نسبة الى خلقدونية وهي من ضواحي القسطنطينية]  و الملكيين.  [ويوجد  عدة  امكنة  في  الشام  بهذا  الأسم، منها  حران  العواميد في اللجأ، وحران في غوطة  الشام  وحران  في ايالة  حلب (راجع معجم البلدان لياقوت)].
 
ثالثاً :  تمتع  الصابئة بما  تمتع  به بقية  اهل  الذمة في  ظل  بدايات الدولة  العباسية ،  من  تسامح  ديني نسبي  وحرية  الفكر  والعقيدة  والحماية.
 
رابعاً :  حظي  علماء  الصابئة  ـ  الذين   اخذوا  بالانتقال  التدريجي،  منذ  اواسط  القرن  الثالث  للهجرة  (التاسع للميلاد)،  من  حران  الى  بغداد ـ  باحترام  وتشجيع  الخلفاء  والأمراء  المسلمين،  فضلاً  عن  كبار  الشخصيات  والبيوتات العلمية  في  العاصمة  العباسية،  كما  تناولوا  المرتبات  وحصلوا  على  الأقطاعات  وتمتعوا  بالهبات  مثلهم  مثل  العلماء المسلمين،  بل تقلد عدد كبير من  هؤلاء  الصابئة  مناصب  رفيعة  في  الدولة  العباسية  مثل :  سنان  بن  ثابت (331 هـ / 943 م)  الذي  تولى  رئاسة  الأطباء  في   بغداد،  وابراهيم  بن  هلال  (384 هـ / 994 م)  الذي تقلد  ديوان  الرسائل  (الانشاء). 
 
خامساً :  افاد  الصابئة  بما  وفرته  الدولة  العباسية  للعلماء  والباحثين  من  مراكز  ومؤسسات  للنهوض  بالعلم  والمعرفة  مثل  ’’بيت  الحكمة‘‘  والمراصد  الفلكية  ومصانع  الورق  والمستشفيات  وغيرها.  فقد  استفاد  الصابئة  وغيرهم  من  الانفتاح  الفكري  الذي  جاء  به  الخليفتان  العظيمان  هارون الرشيد  والمأمون.
 
ثابت  بن  قُرّة :
 
احد  علماء  الصابئة  الذي  كان  في  طليعة  الذين  غادروا  حران  واستقروا  في  بغداد  وقام  بدور  علمي  متميز  في  تاريخ  الحضارة  العربية  الأسلامية ،  بحيث  استحق  احترام  وتقدير  المؤرخين  والأدباء  المسلمين،  حتى  ان  البهيقي  الذي  عاش  في  القرن  السادس  للهجرة  (الثاني عشر للميلاد)  يضعه  في  كتابه  ’’حكماء  الاسلام‘‘  في  مقدمة  هؤلاء  الحكماء.  وقد دعاه  اليونان  بأبيقورس  وهو تحريف الأسم  العربي ’’أبو  قُرّة‘‘،  وهو  اسم  يمتاز  به  الحرانيون، كما يشهد بذلك فهرست ابن النديم.  فهناك  ثابن  بن  قُرّة  بن  مروان  وابن  أبي  قُرّة  وقُرّة  بن قميطا  الحراني  وقُرّة  بن  ثابت  بن  ايليا  رئيس الصابئة  في حران،  وحفيده  سنان  بن  قُرّة  بن  ثابت  بن  ايليا، ثم بعد  حقبة  من  الزمن،  قُرّة  بن  الأشتر  وثادروس ابن قُرّة  اسقف  حران  ما بين  النهرين.  ويذكر المؤرخون بان اسمه الكامل هو : ثابت هذا هو ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن سالايونوس.
 
ولد  ثابت بن قُرّة في مدينة  حران سنة (221 هـ / 834 م)،  وهو  صابئي  العقيدة، وانحدر  من  بيت  عريق  انبت  مجموعة  كبيرة  من  العلماء.  فقد  كان اجداده ،  كما  يذكر  ابن  النديم  في  كتابه  ’’الفهرست‘‘ ،  من  زعماء  الصابئة  في  حران،  بل  يبدو  ان  والده  كان  رئيساً  للصابئة  فيها.  ورغم  ان  المصارد  لاتمدنا  بمعلومات  وفيرة  حول النشأة  العلمية  لثابت  فإن  المؤكد  انه  تلقى  تعليمه  الأول  في  حران  واتقن  آنذاك  ثلاث  لغات،  وهي  السريانية (وهي لغته الأم)  والعربية واليونانية.  ولكن  ثابت  لم  يمتهن  العلم  في  ذلك  الوقت،  وانما  عمل  في  ميدان  الصيرفة،  وربما  كانت  هذه  المهنة  تدر  على  اصحابها  ارباحاً  طائلة،  ولاسيما  في مدينة  مثل حران، تتمتع  بسوق تجاري  عالمي.
 
وجاء  اتصال  ثابت بن قُرّة بأولاد موسى بن شاكر  ليشكل  نقطة تحول بالغة الأهمية في سيرته.  وتروي المصادر ان اولاد موسى، وهم محمد وأحمد والحسن، كانوا من رعاة الحركة العلمية في بغداد  آنذاك، وكانوا قد حولوا  دارهم  فيها  الى  مركز  للتعليم  والتأليف والترجمة،  وكانوا  يجلبون  المخطوطات اليونانية  من  بلاد  الروم  بأغلى  الأثمان،  ويعهدون  بترجمتها  الى امهر  التراجمة،  بل كانوا  ينفقون خمسمائة دينار شهرياً على الترجمة، وكان محمد بن موسى عالماً في الفلك والرياضيات، في حين كان أحمد بارعاً في علم الحيل (الميكانيك) والفلك، اما الحسن فقد كان متفوقاً في الهندسة.  وتؤكد المصادر ان محمد بن موسى كان قد سافر الى بلاد الروم بحثاً عن المخطوطات اليونانية القديمة، والتقى صدفة في طريق عودته الى بغداد، صبياً بارعاً يدير مصرفاً مالياً في قرية بالقرب من حران تدعى ’’كفر توتا‘‘  .  فاعجب  بذكائه  وفصاحته،  واكتشف  فيه  الشروط التي ينشدها فقد  كان بصيراً  بالرياضيات  واللغات، حيث صرف له بلمح البصر عدداً  من  الدراهم  المختلفة  المنتسبة  الى بلدان  متعددة،  فاستصحبه  معه  الى  بغداد،  وانزله  في داره  يتلقى  العلم  فيها  على  يديه.  وبذلك  غدا  ثابت  عضواً  في  الجماعة  العلمية التي يشرف عليها  اولاد موسى، واستقر  في بغداد، وغدا تدريجياً مترجماً ومدققاً  وطبيباً  وفيلسوفاً  وعالماً  في  الكثير من ميادين العلم والمعرفة.  ولهذا  كانت  العالمة  الألمانية  ’’هونكه‘‘  على حق  عندما  قالت  ان  ثابت  كان  احدى  العبقريات التي تفتحت براعمها في دار اولاد بن  موسى وأحد  اكتشافاتهم  المهمة.
 
علاقته  بالمعتضد:
 
جاء  اتصال ثابت بن قُرّة بالخليفة العباسي المعتضد بالله (279 ـ 289/ 892 ـ 902 م) ليشكل مرحلة جديدة في حياته ومستقبل اسرته وابناء جلدته (الصابئة). وعلى الرغم من تعدد الروايات المتعلقة بالظروف التي احاطت بنشأة العلاقة بين الطرفين، فإنه من المؤكد ان محمد بن موسى هو الذي قدم ثابت الى الخليفة المعتضد.  ومادام الخلفاء العباسيون كانوا يرحبون عادة بالعلماء على اختلاف اديانهم واجناسهم، وبخاصة اولئك الذين ذاع صيتهم في ميدان الطب والفلك.  فقد رحب الخليفة بثابت وادخله في جملة منجمي بلاطه.  وسرعان  مانجح ثابت، بنبوغه وتفوقه العلمي، في كسب ثقة المعتضد واحترامه، بل غدا من اشد المقربين منه  والطبيب الأثير لديه.  وهذه  العلاقة الحميمة التي قامت بين الخليفة وثابت، ومارافقها من مظاهر الرعاية والتكريم كانت عاملاً مهماً فيما وصل اليه ثابت بن قُرّة من مكانة متميزة، مادياً وعلمياً، فبلاضافة الى المرتب الذي كان يتقاضاه من البلاط بوصفه طبيب الخليفة وأحد منجميه، فقد اقطعه المعتضد ضياعاً جليلاً.  واذا أضفنا الى ذلك ماكان يحصل عليه ثابت من جراء الترجمات والتنقيحات التي كان يقوم بها لهذا الكاتب او ذاك،  ومن مزاولته لمهنة الطب وتركيب الأدوية، نستطيع القول انه جمع ثروة كبيرة وعاش حياة كريمة، وقد لخص احد المؤرخين احواله بقولة ’’لقد نال ثابت من الرئاسة والأموال فنوناً‘‘.

تراثه:
 
ترك ثابت بن قُرّة تراثاً  علمياً  اشتمل على مؤلفاته وترجماته  وتجاربه العلمية، وتميز  بالتنوع  والشمولية،  والدليل على ذلك انه شمل الكثير من علوم ومعارف عصره. فقال  عنه صاعد[1] ’’انه فيلسوف متوسع في العلوم متفنن في ضروب الحكمة‘‘. ويورد كل من ابن ابي اصيبعة في كتابه ’’عيون الأنباء في طبقات الأطباء‘‘ والقفطي في كتابه ’’أخبار العلماء بأخبار الحكماء‘‘ ،  من ان مؤلفات ثابت ما لايقل عن (150) كتاباً بالعربية ونحو (15) كتاباً بالسريانية.  كما  ترجم ثابت عدداً  كبيراً  من مؤلفات  العلماء  اليونان امثال اقليدس وبطليموس وجالينوس، وأصلح ونقح ترجمات عديدة من امثال تراجم حنين بن اسحاق وابنه اسحاق.
 
ومؤلفات ثابت موزعة بين الطب والفلسفة والفلك والرياضيات والاخلاق والموسيقى والعقائد.  اما عناوين مؤلفاته فتوزعت مابين ’’كتاب وجوامع واختصار ورسالة وكناش وجواب ومدخل ومقالة‘‘.
 
وكان الطب في مقدمة العلوم التي تفوق فيها ثابت، وتجلى ذلك في ممارسته لصناعة الطب وفي ميدان التأليف والترجمة وغيرها. اما فيما يتعلق بممارسته للمهنة فيشهد له المؤرخون بالتفوق.  فقال عنه ابن الأثير ’’انه كان عارفاً حاذقاً بالطب‘‘، وقال عنه ابن ابي اصيبعه ’’لم يكن في زمان ثابت من يماثله في صناعة الطب ولا في غيره من اجزاء الفلسفة‘‘.  وذكر ابن خلكان في كتابه ’’وفيات الأعيان‘‘ ’’ان ثابت اشتغل بعلوم الأوائل فمهر بها وبرع في الطب‘‘ .  وكانت مهارة ثابت في ميدان الطب تعني بالضرورة تفوقه في الفلسفة لأن دراسة الفلسفة كانت شرطاً اساسياً  لمن يرغب في النجاح في النجاح في صناعة الطب. وكان لقب ’’الطبيب‘‘ لايطلق الا على من يتعاطى الطب والفلسفة معاً، والا فهو ليس طبيباً وانما ’’متطبب‘‘.  وعلى اية خال فقد كان ثابت شيخ اطباء البلاط، والطبيب الذي يشار اليه بالبنان في بغداد وخارجها ولم نقرأ انه اخطأ في علاج احد من الخاصة او العامة.
 
كما أثبت تفوقا ونبوغا في مجال طب العيون وتشريح العين، وهو في تشريحه للعين لا يبعد كثيرا عن التشريح الحديث لها بعد ظهور الآلات الحديثة الدقيقة والمعدات الطبية المتطورة، وقد تحدث ثابت عن بعض الأمراض التي تصيب العين كالرمد والمياه البيضاء والزرقاء، كما ذكر ما يعتري العين من جحوظ أو غور، وتحدث عن ضعف البصر وذكر أسبابه، وقدّم النصائح التي تقي منه.
 
اما مؤلفات ثابت في ميدان الطب فقد كانت عديدة ومشهورة بالجودة.  منها على سبيل المثال كتابه ’’الذخيرة في علم الطب‘‘ الذي الفه لأبنه سنان وضمنه مايمكن ان يحتاجه في علم الطب. وقد وصفه بعض المؤرخين بأنه كتاب ’’نادر في الطب‘‘.  كما  ألف كتاباً بعنوان ’’البصر والبصيرة في علم العين وعللها ومداواتها‘‘ وكتاباً  في ’’المفاصل والنقرس‘‘ و ’’رسالة في الجدري والحصبة‘‘ وغيرها.  اما ترجماته في ميدان الطب فقد كانت في معضمها من مؤلفات الطبيب اليوناني جالينوس، ومنها على سبيل المثال ’’الأمراض الحادة‘‘ و ’’الفصد‘‘ و ’’المولدون لسبعة اشهر‘‘  و  ’’سوء الاهواء والأبدان‘‘.  وقد اشاد المؤرخون بمقدرة ثابت ومهارته في الترجمة، فقال ابن ابي اصيبعة انه ’’كان جيد النقل الى العربية، حسن العبارة‘‘.  ومن اقواله المأثورة: ’’ راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام‘‘.
 
في مجال الفلك:
 
اما في ميدان الفلك فقد حقق ثابت انجازات توازي او ربما تفوق ماحققه في ميدان الطب ولاسيما ان عقائد صابئة  حران ارتبطت ارتباطاً  اساسياً بالافلاك والنجوم، ولهذا فان بحوثهم في علوم الفلك كانت تشكل جزءاً من ممارسة  عقائدهم وواجباً  من واجباتهم  الدينية.  كما كانت مدينة حران مشهورة بصناعة الآلات التي كانت تستخدم  في التطبيقات  العملية لعلوم الفلك والهندسة كلآلات  الرياضية الدقيقة التي تستخدم في القياس مثل الاسطرلابات.
 
وقد كتب ثابت عدداً كبيراً من المؤلفات المتعلقة بعلم الفلك ومنها كتاب ’’علة كسوف الشمس والقمر‘‘  وكتاب ’’فيما يظهر في القمر من آثار الكسوف وعلاماته‘‘  ومقالة في ’’حساب خسوف الشمس والقمر‘‘ وكتاب في ’’حالة الفلك‘‘ وكتاب في ’’طبائع الكواكب وتأثيراتها‘‘ وكتاب في ’’محنة حساب النجوم‘‘ وكتاب ’’في الهيئة‘‘ وكتاب ’’المدخل الى المجسطي‘‘.  وفي عام (283هـ - 895م ) سأل المعتضد منجميه عن حال السنة القادمة (284هـ - 896م) فقالوا كلهم إنها سنة ممطرة وستغرق بغداد ويهلك خلق كثير، وعارضهم ثابت بحساباته الفلكية وخالفهم في الرأي، وحدث ما توقعه ثابت فلم تسقط الأمطار من بداية السنة إلى خاتمتها بل إن الينابيع قد جفت، واعترى المنجمين الخجل والخزي.
 
وقد اجرى ثابت تطبيقات عملية، حيث قام باعمال رصد للكواكب والنجوم في المرصد الذي كان اقامه المأمون في الشماسية بأعالي بغـــداد.  كما عمل ثابت في المرصد الذي بناه اولاد موسى بن شاكر في بغداد.  وكان لأرصاده دور مهم في تقدم علم الفلك.  وقد كان ثابت متفوقاً في العلوم الرياضية عامة والف عدداً كبيراً من الكتب في هذا المجال مثل ’’في المثلث القائم الزاوية‘‘  و ’’في الأعداد المتحابة‘‘ و ’’في المربع وقطره‘‘  و ’’مختصر في علم الهندسة‘‘ ومقالة ’’في تصحيح مسائل الجبر بالبراهين الهندسية‘‘،  كما ترك ثابت مؤلفات تتعلق بالفلسفة والاخلاق والموسيقى، كما جاءت مؤلفاته بالسريانية لتتناول عقائد الصابئة وطقوسهم. كما ترجم ثابت كتاب’’ المسبع المنتظم لأرشميدس‘‘ ، وظلت النسخة الإغريقية لهذا الكتاب مفقودة إلى أن عثر "كارل شوي" على مخطوط ترجمة ثابت بن قرة العربية في القاهرة. وكشف النقاب عنها للعالم الغربي، وتمت ترجمتها إلي اللغة الألمانية عام 1348هـ -1929م.  وإلى ثابت بن قرة يعزى الفضل في نقل أعمال علماء الإغريق من أمثال: إقليدس، أرشميدس، بطليموس، أبولونيوس، أوتوسيوس من اليونانية إلى العربية، ولولا جهوده الفذة في الترجمة لكان عدد الأعمال الرياضية الإغريقية المعروفة لدينا اليوم أقل، ولقد استوعب ثابت بن قرة محتويات أمهات الكتب التي ترجمها إلى الحد الذي مكنه من اقتراح تعديلات وتعميمات لها.  وتكريماً له في العصر الحديث فقد اطلق على احدى الفوهات البركانية في القمر اسم ’’ثابت‘‘.

قيمته العلمية:

لقد كان تراث ثابت تراثاً ضخماً ومتنوعاً وشاملاً. فمؤلفاته وترجماته اثرت المكتبة العربية الأسلامية كما ان انجازاته  العلمية شكلت ذخيرة معرفية مهمة تتناقلها  اجيال من الباحثين سواء في العالم الاسلامي او الأوربي، وكان لهم مرشداً وهادياً في بحوثهم على امتداد قرون طويلة.  وقد كشفت الدراسا ت  الحديثة ابتكارات ثابت في الكثير من العلوم التي تفوق فيها، فينظر اليه اليوم مثلاً على انه مؤسس علم المثلثات، وانه اول من مهد لحساب التفاضل والتكامل، وانه صاحب ابتكارات كثيرة في ميدان الهندسة التحليلية وانه حسب طول السنة الشمسية بحيث كانت اكثر من الحقيقة بنصف ثانية فقط !!!
 
كما تجلت قيمته العلمية في المكانة التي حظي بها في الحضارات الأخرى، فقد امتد تأثيره مثلاً الى الحضارة الأوربية، فمن المؤكد ان معظم مؤلفاته ترجمت في العصور الوسطى من العربية الى اللاتينية مثل كتابه ’’في حركة الفلك‘‘ وكتابه  ’’المدخل الى المجسطي‘‘ وغيرها.  وتجدر الاشارة الى ان معظم هذه الكتب ترجمها الى اللاتينية ’’جيرارد الكريموني‘‘.

وفاته:
 
مات ثابت بن قُرّة  عام (288 هـ / 901 م) وله من العمر سبع وسبعون سنة، وقد رثاه عدد من الشعراء منهم الشاعر يحيى بن علي المنجم الذي قال يرثيه:

 
ألا كل شيء ما خلا الّله مائت      ومن يغترب يرجى ومن مات فائت
 
 أرى من مضى عنا وخيم عندنا     كسفر ثووا أرضاً فسار وبائت
 
 نعينا العلوم الفلسفيات كلها خبا نورها         إذ قيل قد مات ثابت
 
 وأصبح أهلوها حيارى لفقده          وزال به ركن من العلم ثابت
 
 وكانوا إذا ضلوا هداهم لنهجها خبير       بفصل الحكم للحق ناكت
 
ولما أتاه الموت لمن يغن طبه ولا          ناطق مما حواه وصامت

 ولا أمتعته بالغنى بغتة الردى ألا         رب رزق قابل وهو فائت
 
فلو أنه يسطاع للموت مدفع                لدافعه عنه حماة مصالت
 
 ثقاة من الإخوان يصفون وده        وليس لما يقضي به الّله لافت
 
 أبا حسن لا تبعدن وكلنا لهلكك           مفجوع له الحزن كابت
 
 أآمل أن تجلى عن الحق شبهة  وشخصك مقبور وصوتك خافت
 
 وقد كان يسرو حسن تبيينك العمى  وكل قؤول حين تنطق ساكت
 
كأنك مسؤولاً من البحر غارف      ومستبدئاً نطقاً من الصخر ناحت
 
 فلم يتفقدني من العلم واحد هراق        إناء العلم بعدك كابت

 وكم من محب قد أفدت وإنه            لغيرك ممن رام شأوك هافت
 
 عجبت لأرض غيبتك ولم يكن ليثبت          فيها مثلك الدهر ثابت

 تهذبت حتى لم يكن لك مبغض ولا     لك لما اغتالك الموت شامت

وبرزت حتى لم يكن لك دافع     عن الفضل إلا كاذب القول باهت
 
 مضى علم العِلم الذي كان مقنعاً      فلم يبق إلا مخطئ متهافت
 
 
لقد وضع ثابت بن قُرّة  أُسس  المجد العلمي والاجتماعي والمادي لما حققه ابناؤه واحفاده وابناء جلدته على امتداد قرنين من الزمان من تاريخ  العصر  العباسي.  فقد حقق ابنه سنان (ت 331 هـ / 943 م) الذي تتلمذ على يد والده، صيتاً علمياً كبيراً في المجتمع العباسي.  فقد عمل سنان طبيباً  لثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المقتدر بالله والقاهر بالله والراضي بالله.  وكلن مكانته العلمية وصلت الى ذروتها في عهد الخليفة المقتدر حيث كان طبيبه الخاص وعينه رئيساً للأطباء في بغداد وعهد اليه برئاسة لجنة لامتحان الاطباء بحيث لم يعد بامكان احد من الاطباء مزاولة مهنة الطب قبل ان يجتاز الامتحان ومنحه سنان اذناً خطياً بذلك.  كما تولى سنان رئاسة المستشفيات في بغداد واشرف على بناء اثنين منهما هما مستشفى السيدة ام المقتدر والمستشفى المقتدري.  كما احدث سنان بالتعاون مع الوزير علي بن عيسى ماعُرف بالمشافي النقالة التي تحمل الاطباء والادوية وتطوف على  القرى والارياف لمعالجة المرضى فيها.  وكانت توجيهات الدولة انذاك ان تتم معالجة المسلمين واهل الذمة على السواء.
 
الخلاصة:
 
لقد  كان ثابت بن قُرّة من الشخصيات العلمية التي افرزتها علمية تلاقح حضارات الغرب والشرق  في حران ومنطقة الشرق الاوسط واحدى الأدوات التي اسهمت في تقدم الدولة العربية الأسلامية. لم يكن نبوغ ثابت وغيره من علماء الصابئة  وليد الصدفة وانما جاء نتيجة تفاعل امكاناته وطموحاته العلمية مع معطيات العصر العباسي الذي كان يعتمد في بداياته على حضارة امة ولم تكن حضارة نخبة او طبقة. 
 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]  صاعد بن الحسن بن صاعد أبو العلاء الرحبي زعيم الدولة. شاعر وعالم في الهندسة الميكانيكية والفلك والطب. عاش ابن صاعد الرحبي في القرن الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي، ولم تحدد الموسوعات أو كتب تأريخ العلوم تاريخ ميلاد له أو تاريخ وفاة، ولكن ذكرت بعض المراجع أنه كان حيا عام 417هـ - 1026م / 430 هـ -1038م.

باسم الحي العظيم
 
اشوما اد هيي واشمه اد مندا اد هيي مدخر الي اكا هيي اكا ماري اكامندا ادهيي اكا باثر نهورا بسهدوثا اد هيي وبسهدوثا اد ملكا ربا راما اد نهورا الاها اد من نافشي افرش اد لاباطل ولا مبطل اشمخ يا هيي وماري ومندا ادهيي
والحي المزكي
اعجبني
 
حقوق الطبع والنشر
 
تنشر الجمعية الثقافية المندائية في هولندا لاهاي المعلومات الخاصة بها على شبكة الانترنت .
وإذا راودتك الرغبة فى اقتباس المعلومات ، أو استنساخها ، أو إعادة نشرها أو ترجمة أي أجزاء منها بغرض ترويجها على نطاق أوسع ، يرجى تبليغ الجمعية الثقافية المندائية او الاتصال بمدير الموقع وذلك بالضغط على زر مراسلتنا على الجهة اليسرى .
وتحتفظ الجمعية الثقافية المندائية بكافة حقوق الطبع والنشر الخاصة بالمواد المعروضة على صفحاتها على شبكة الإنترنت ، بما فى ذلك الصور والتصميمات والرسوم البيانية.
ويحظر استعمال مواد الموقع للاغراض التجارية او نسخها على سيديات او انتهاك شرعية الموقع .
ويعتبر استعمال اسم الجمعية وشعارها بدون الحصول على إذن بذلك مخالفاً للقانون الدولي بحقوق النشر وممنوعاً منعاً باتاً.
نحن من هذا الموقع نحاول ايصال الافكار والمقالات والتعريف بالدين الصابئي المندائي ونحن بهذا الموقع لانتخاصم مع اي جهة دينية او سياسية اخرى . لذا يحق لجميع الصابئة المندائيين بالحصول مجانا على ما في هذا الموقع بشرط مراسلتنا لنزودهم بالمسموح . ويمكن لجميع المندائيين ان يزودوننا بمقالاتهم ومواضيعهم واخبارهم المهمة و الرئيسية ( بالعربي او بالهولندي او بالانكليزي) وذلك لنشرها مجاناً على موقعنا .
© جميع الحقوق محفوظة للجمعية المندائية في هولندا دنهاخ 2010 Copyright © 2010, All rights reserved to the Mandaean Association in the Netherlands / Hague ,Inc
 
Today, there have been 244266 visitors (453343 hits) Total This Week.
تصميم الموقع حــسام هــشام ألعيــداني© جميع الحقوق محفوظة للجمعية الثقافية المندائية في لاهاي هولندا
Copyright © 2010, All rights reserved to the Mandaean Association in Netherlands / Hague ,Inc Developed and Web designer By Hossam Hisham al Edani

This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free