في رحاب كَنزا ربا
- الحلقة السادسة -
( حواء تندبُ آدم )
بقلم : بشار حربي
بأسم الحي العظيم
( قل يا حواء إن الله يصعد النفوس إليه ، فتقف بين يديه ، لا يعترض معترض عليه )
كَنزا ربّا
لم يسعفنا أحد من قبل بما آلت إليه حواء بعد صعود آدم الى عالم الأنوار ، الى موطنه الأصلي الذي جاء منه ، ولم نقرأ عن ردة فعلها على أول فراق لآدم بعد طول حياة ومعاشرة ، وكيف كانت دهشتها وحيرتها وهي ترى آدم جسداً هامداً ، بعدما كان رفيقاً وشريكاً وأنيساً ، حامياً ومعلماً ، أباً وقريباً وحيداً .
لم تكُ حواء تعلم لماذا رحلت نفس آدم ، وهل ستعود أم لا ؟!. وهل موته مؤقت أم دائمي ؟! ، ولماذا لم يكن أول الخلق ، هو أول الخالدين؟!.
لماذا لم يخبرها آدم بموته ورحيله ، وهل كان يعلم بذلك قبل حدوثه ؟، ولماذا لم يموتا معاً ، ما داما قد خلِقا معاً ، وهبطا الى الأرض معاً، فلماذا يصعد آدم قبلها ؟، ولماذا تعمّر هي في الأرض أطول منه وهو النبي الأول ؟، ولماذا لم تفرح حواء في البدء لصعود أدم الى عالم الأنوار والمثال .. الى العالم البهي السني .. هل بكت على موته و ولولت وانتحبت ؟، أم أنها استكانت ورضخت الى إرادة الخالق ؟ .
تلك الأسئلة ، وغيرها كثيرة ، تجيبنا عنها كَنزا ربا – كتابنا المقدس – مبارك أسمه.
فحواء ، كونها كائن بشري قد سيطرت عليها أفكار الشر بعد موت آدم ، وتجمعت حولها أرواح الشر، تخيفها وتخبرها بأنها قد بقيت وحيدة في هذا العالم .
( فقال الحيّ ربي : يا هيبل زيوا (1) ، أنت الذي نشرت نسل أدم وذريته ، وأنت الذي الى بيت العرس أدخلته ، وأنت الذي خِدر حواء أسكنته ، فأذهب الى حواء .. كن معها وهدّيء جزعها ).
ففعل الملاك ما أمره الخالق ، وحبسها لنفسها وقال لها ( يا زوجة آدم .. كل نفس خارجة من هذا العالم ).
وحنا عليها ، وأمرها ألا تبكي وتحزن ، فحدّثها عن النعيم الذي ينتظرها ، وطالبها بأن تسبّح النفس التي خرجت من دار الفناء ، وصعدت الى عالم الأنوار ، وكيف أنه قد خلص هذه النفس وعدّاها المحطات الى عالم البقاء الأبدي وأقام لآدم منازل الضياء.
حين واساها هيبل زيوا ، خرجت حواء من حزنها ، وعاد الضوء الى سيمائها وسبّحت للخالق الجليل ، ورغبت أن تخرج من هذا العالم الى المنازل الجديدة التي يصطفيها مندادهيّي (2 ) .
ورغم أن عوالم الشر إستمرت تلاحق حواء وتضيّق عليها البلاء ، إلا أنها كانت تقول : ( يا مندادهيي، إنهم حولي يتسامرون .. وعلى ثوبي يتآمرون.. هم قتلة مغامرون ).
فهبط مندادهيي وقال ( أيتها النفس قرّي عيناً ، فستصعدين الى سمائك ، الى كنز آبائك )
وهبط هيبل زيوا ، فأخرجها من كساء الطين ، وعاد بها الى عليّين .
وهكذا ، فكل حزن يؤول الى فرح ، وكان رحيل آدم – الأب قبل حواء الأم – درساً أولاً في حياة البشرية ، درس عن قدرة الأم بحنانها على أبنائها في تعويض فقدان الأب ، .. ولو كان آدم قد عرف أجله ، لكان احتمالاً أن يبطّل عمله على الأرض ويفتر عضده ، فيكون بذلك قد أنقص مهمته ، ولكن حكمة الخالق شاءت ، أن يكون الموت أجلاً محتوماً وليس أجلاً معلوماً .. ليبقى نبض الحياة وانطفاؤه سراً إلهياً ، فكما نجيء وحيدين ، نخرج وحيدين.
( عارية جئت الى العالم ، فارغة منه أخرجوني .. مثل عصفور وحيد ).
هذا ما قالته نفس آدم ونفس حواء ، وما ستقوله أنفسنا أجمعين .
الهوامش
( 1 ) هيبل زيوا : ملاك أُثري نوراني ، وهو رسول الحيّ ويسمى المخلّص وكذلك يسمى جبرائيل وهو المسلح الباسل الذي سلحته الحياة العظمى بالشجاعة والإقدام ، والعلم والمعرفة.
( 2 ) مندادهيّي : ملاك أُثري نوراني ، ويعني عارف الحياة .
المصادر
كَنزا ربّا – الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، الطبعة الثانية ، بغداد سنة
2001 م
ألجمعية ألثقافية ألمندائية في لاهاي - هولندا
|