حكاية من تراث الصابئين أيام العباسيين[1]
حكى غرس النعمة ( شيتل طابا) بن الرئيس
[2] هلال بن المحسن ابن إبراهيم الصابئ قال:
كان والدي اعتـل في شهر محرم من سنة ست وثلاثين وأربعمائة علة صعبة، وكان ثابت بن سنان من آل قرة جاريا على عادته في هجرانه، فراسلته وسألته الحضور فوعد وأخلف، ومضت إليه نسوة من أهله وأهلنا قبحوا عليه ما فعله وهو يعد ويخلف، والرئيس هلال يزيد في مرضه إلى الحد الذي غاص ولم يعقل. وبقي كذلك عشرين يوما في النزع. وقام يكسر طارمة خيش[3] كان فيها وإلى أبواب عرضى يروم قلعها. وذكر النساء أن ذلك نوع من النـَزع يعرفنه ويعهدنه. ثم بَعدن عن الدار وتركنه واشتغلن باللطم والبكاء عليه. أما أنا فخرجت إلى دار الرجال وجلست جلوس التعزية. وإذا بالطبيب ثابت بن سنان قد دخل علينا وكان عندي جماعة من أصدقائنا، فبقي داهشا وسألنا قائلا: هل مات؟ فقالوا: هو في ذلك. فقلت: يا أبا الحسن لقد مات جالينوس ومع ذلك عاش الناس بعده، وأما الرجل فميت، وما بنا إلى رؤيتك ومشاهدتك من حاجة. فلم يجبني، ونهض فدخل إليه ورآه وصاح بي إليه وقال: دع عنك هذا الكلام الفارغ وأحضر من الغلمان من يمسكه ويصرعه. ففعلنا ذلك، وصاح به: يا سيدنا يا هلال أنا أبو الحسن ابن سنان وما بك بأس، ولو كان بك بأس ما رأيتني عندك، فساعدنا على الدواء. لقد أراد بصيحته تقوية قلبه لما يعهده منه من علم ودراية في الطب. فمد والدي يده إليه وتشبث به وقال ما لم يفهم لأن لسانه ثقل. ثم أخذ ابن سنان مجسه فلم يجده، وأخذه من كعبه فقال:
أريد كبد دجاجة مشوية ومزورة[4] وخبزا، فأحضرنا ذلك وأطعمه الكبد ثم قال: أجلبوا لي كمثراة وتفاحة ، فأنفذ منهما شيئا وأطعمه كمثراة وتفاحة جعلهما في ماء الورد أولا، وتركه إلى وسط النهار، وأطعمه خبزا بمزورة، وهو صالح الحال منذ أكل الكبد المشوية ورجع مجسه ونبضه وسكن مما لحقه، ونحن قد دهشنا مما اتفق وجرى، والنساء يقبلن رأس ابن سنان ومنهن من تقبل رجله. ثم قال:
هؤلاء الأطباء يغدون إليكم ويروحون يأخذون دنانيركم. ما قالوا لكم في هذا المرض وبأي شيء يطبونكم؟ فقلت: لقد قالوا لنا: أسقوه ما أردتم فما بقي فيه شيء يرجى، وأما علاجهم، فإن أحدهم سقاه شربة سهلة في ليلة السابع فقال ابن سنان: يكفي هذا هو أصل ما لحقكم، فإنه شغل الطبيعة في ليلة البحران[5] بدواء مسهل وجرها ودفعها عن التمييز البحراني ومنعها، فاختلط الرجل. فقلت: كذا كان، فإنه منذ تلك الليلة اختلط وغاص. فقال لي: اعلم يا سيدي أنني ما تأخرت عنه إلا علما بأنني لا أخاف عليه إلى يومنا هذا، والقطع الذي عليه في مولده فالليلة هو[6]، ولما تعلق قلبي بها جئت فيها. فأما أن يموت وإما أن يصبح معافى لا مرض به. قلت له: فما علامة السلامة؟ قال: أن ينام الليلة ولا يقلق، فإن نام أنبهه سَحرا حتى يكلمك ويحدثك ويعقل عليك، وأخرجه بالغداة يمشي إلى الدار من العرضى ويجلس ويشرب ماء الشعير من يده. وإن قلق[7] لم يعش الليلة. وجلس عنده لا يأكل ولا يشرب إلى العتمة. فلما دخل الليل سكن الرئيس هلال من القلق ونام. فقال الطبيب لي: قم أقرَّ الله عينك فقد برئ واطلب شيئا نأكل. فأكلنا ونمنا عنده وهو نائم نوما طبيعيا، والطبيب يوصي كل من هناك بأن يوقضوه نصف الليل، ويعلمنا صحة قوله. فوالله لقد نام الجميع إلى السَّحر فلم يحسوا بشيء إلا بوالدي العليل يصيح لإبن سنان بلسان ثقيل وكلام عليل، فوقعت البشائر وعاش بعد ذلك 12 عاماً.
وردت في كتاب أخبار العلماء بأخيار الحكماء للقفطي[1]
يلقب بالرئيس لأنه ترأس ديوان الإنشاء مثل جده أبو إسحق الصابي[2]
الخيش نسيج من الكتان يستخدم للظل[3]
المزورة: نوع من الحساء[4]
البحران عند الأطباء تغير عظيم يحدث دفعة أما يفضي إلى الصحة أو العطب.[5]
هذا من إيمان الصابئين بقراءة طالع كل فرد قياسا بيوم مولده وما يلحقه عقب ذلك [6]
أي لم يهدأ ولم ينم[7
|