سوق الشيوخ
قبل قرن من الزمن
موقع المدينة وحدودها
قضاء سوق الشيوخ من مدن العراق الحديثة واقع على ضفة الفرات إليمنى قريبا ً من الدرجة 30 عرضا ً ونحو الدرجة 44 طولا ً من باريس وهو في جنوبي لواء المنتفق. يحده شمالا ً وشرقا ً الفرات. وجنوبا ً وغربا ً الصحراء الشامية وهو يبعد 40 كيلو مترا ً عن الناصرية وهو تحتها و 140 كيلو مترا ً عن غربي البصرة على خط مستقيم و 130 كيلو مترا ً في جنوب غربي العمارة على خط مستقيم ايضا ً.
مؤسس سوق الشيوخ
هو الشيخ ثويني الحمد جدّ الاسرة السعدونية. وذلك انه لما كان حاكما ً كبيرا ً في العراق، يمتد حكمه من الغرّاف والبصرة الى ما قارب الكويت من جهة. ومن الجزيرة الى ما حواليها من الجة الاخرى اصبح نفوذه عظيما ً على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة عن خيام تجار وباعة ينزلون قريبا ً من الاعراب اذا ضربوا مضاربهم وخيامهم فتقوم سوقهم ويعرضون فيها ما يحتاج اليه من لباس وآنية وخُرثيّ " اي اردأ المتاع " واثاث وتبغ ويعارضونها بغيرها من وبر وصوف وسمن " دهن " وبقل وخضرة وغيرها. ويوجد مثل هذه السوق الى يومنا هذا مع القبائل الرحل.
وعليه كان مع الشيخ ثويني واعرابه سوق تقام اينما حلّ والى حيثما رحل. ثم ان اعراب ثويني رغبوا في ان تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثيرة مرعاه فاذن بذلك فاشتق اسمه من الغاية التي وضع لها. وقبل ان يعرف بهذا الاسم سمي سوق النواشي وهو اسم عشيرة من عشائر العراق وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها اليه حينما يطلبها منهم او يطلب عوضا ً منها. وكان اغلب شيوخ القبائل يمتارون من تلك السوق فعرف باسمهم جميعا ً. ومات اسم سوق النواشي.
تاريخ بنائه وحالة هوائه
قويت سلطة ثويني واتسع ملكه من نحو سنة 1737 م الى نحو سنة 1785 م. واختلف في سنة تاسيس السوق. فمن قائل انه كان سنة 1749 م وفي قول آخر كان سنة 1761 م والاصح القول الاخير على ما نقله احد الغارفين الثقات من اهل تلك الاصقاع. لان اعظم ايام الشيخ ثويني هي من سنة 1752 م الى يوم قتله الذي وقع سنة 1797 م، على يد عبد من عبيد عبد العزيز ابن سعود اسمه طعيس في مكان اسمه الشبكة على طريق حائل والقصيم. وبعد وفاة الشيخ الكبير اصبح سوق الشيوخ مركزا ً لمهمات شيوخ المنتفق ومخزنا ً لذخيرتهم ومؤونتهم. وملجأ حصينا ً يلجأون اليه كلما احتاجوا اليه. فكم من حاجة قضيت فيه ! وكم من دم سفك على ارضه ! وكم من امير اغتيل على صعيده ! وكم من هدية اوعطية جزيلة اكرمت في بيوته ! الى غير ذلك من الامور التي لا تحصى ولا تعد ! الا ّ إنه لما ضعفت قوة المنتفق وانتكثت مرائر امرائهم وشيوخهم ووقع بين رؤسائهم اختلاف الكلمة اشتد نفوذ الدولة هناك فادخلته في جملة ما ادخلته في املاكها وقيد في سجلات املاكها وانشئ في ذلك الصقع نواح ٍ واقضية والوية وجعلت السوق قضاء ً سنة 1871 م. ثم اخذ بالتقهقر والانحطاط حتى غدا في سنة 1897 م بمنزلة مديرية وان كان فيه قائم مقام. وذلك باعتبار خطورته وانحطاط رقيه ورجوعه القهقرى عن سابق ما كان عليه من الشان والمنزلة. اما سبب هويه او تسفله فهو انقطاع الاعراب عن الامتيار منه ووخامة ارضه وكثرة الامراض والحميات التي تفتك باهاليه لان البطائح " او الاهوار " تحيط به من كل جانب وتفسد هواءَه ُ. بينما كان في السابق بعيدا ً عن كل غمق ووبالة. وذلك لان الشيخ ثويني كان قد افرغ جهده في منع وصول مياه طغيان دجلة اليه. بخلاف ما يحدث الان فان اغلب الانهار قد طمت او دفنت فانتشرت المياه في كل جهة بدون رادع يردعها او حاجز يحول دونها واذ لا تجد مجرى او مصبا ً تنحدر اليه تبقى هناك مدى السنة فتخرب وتدمر وتتلف وتمرض وتقتل وتفتك بدون معارض او محاسب ومن اسباب انحطاطها معاودة الطاعون اياها من حين الى حين واشد طواعينها الذي فتك بها سنة 1832 م فانه لم يبق ولم يذر.
سكانه وتجارته
كان سكان سوق الشيوخ من عرب ثويني واهالي نجد وصابئة ويهود وكانوا كثيرين الى قبل سنة 1896 م وكان عددهم على الوجه الآتي:
مسلمون سنيون 8770
مسلمون شيعيون 2250
صابئة مندائيون 700
يهود 280
المجموع 12000
وكان عدد بيوتها في ذلك العهد 2000 بيت و 1500 صريفة " بيت من القصب والطين يشبه الكوخ " وكان فيها مسجدان للسنة ومسجد للشيعة وحمام واحد ٌ وخان و 240 دكانا ً و 5 قهوات. واما اليوم " اي سنة 1896 " فلا يوجد فيه اكثر من 4 الاف نسمة وهم مقسومون ثلاثة اقسام وهي: ثلاثون بالمائة منهم من اهالي نجد وهم وهابيون. والثلاثون الآخرون من البغداديين والاربعون الباقون من سائر اهل العراق ويطلق عليهم اسم " الحضر " واكثر التجارة بيد الحضر. وبياعاتهم هي كل ما تطلبه البادية من البسة وثياب واحذية يليها في كثرة البيع توابل " وهي الاسقاط بلسان بعضهم والعطارية بلسان الآخرين " وبزور وحبوب وقطاني وما شابهها. ومن اهم تجارته ِ الخيل فهي من اجود خيل البلاد لان اصل اغلبها من نجد وما جاورها.
زراعته وصناعته
زراعة السوق الشلب " من انواع الارز أو التمن " والذرة " ويسمونها الاذرة " والدخن والحنطة والسمسم والشعير والهرطمان والماش. وواردات الزروع هي على الاقل الف طغار " أو تغار والتغار يختلف وزنه باختلاف ديار العراق واختلاف الموزونات. واختلافه بين 1000 و 1540 كيلو غراما ً " والمياه هناك كثيرة كلها متدفقة من الفراتين. وهم يزرعون ايضا ً على شواطئ البطائح الا ّ ان زراعتهم قليلة بالنسبة الى مياههم واتساع اراضيهم وكثرة فلاحيهم. ولعل اسباب تقهقر زراعتها كثرة الفتن المستمرة نيرانها بين عشائر تلك الربوع.
واما صناعة السوق فليست مما يشار اليها بالبنان وكل ما فيها هو عبارة عن معرفة ما تمس اليه حاجة البدوي ومعروف ومبتذل في سائر الديار العراقية. الا ّ ان اهاليها مشهورون بحياكة الاعبئة المخططة وهي معروفة في ديارنا باسم الاعبئة الشيخلية نسبة ً عامية الى سوق الشيوخ. ومن لا يحسن الحياكة يتعلم الحدادة وحدادتهم متوقفة على صنع المساحي وجميع آلات الزراعة البسيطة العمل. والصياغة من خصائص الصابئة وكذلك النجارة وجل ّ نجارتهم متوقفة على عمل المشاحيف " جمع مشحوف " واما اليهود فمعظم اشغالهم قائمة على البيع والشراء والإقراض بالربى.
قسمته وحكومته
ليس في هذا القضاء الا ّ ناحية واحدة هي ناحية بني السيد. وفيه قيم مقام لادارة القضاء. ومدير لادارة الناحية. يساعدهما مجلسا ادارة.
العلم فيه
لا شأن يذكر للعلم هناك. وسكانه لا يعرفون الصحف ولا الصحافة الا ّ من ندر. وجملة من يطالع الكتب وبعض الجرائد النادرة لا يجاوزون عشرة أو خمسة عشر واغلب هؤلاء من اهالي الحضر.
وفيه اربعة كتاتيب " اي صفوف دراسية " يتردد اليها نحو 50 طالبا ً وفي ايام بدء ِ الشتآء 60 أو 70 وفي ايام الحصاد 30 وهي مقسومة على هذا الوجه:
3 كتاتيب للمسلمين وفيها 3 معلمين و40 طالبا ً وكتاب " صف " واحد للصابئة وفيها معلم واحد و 10 طلاب.
هذا ما أمكن مد ّ يد التحقيق اليه، ولنجعل المحبة ختام الكلام، ولغم القلم من السكوت أجمل لثام.
من مكتبة : المساعد الصغير
ادياورا زوطا
|