التوحيد
ماريّ بلبــــــّا
مشبّـا دَخيــــا
بشمَيّهون إد هيّي رَبّي
أصحاب المعرفة والهيمنوثة الكرام
قبل أن أدخلَ في صلبِ الموضوع ، وهو (البشميهنوثة المندائية ) أي (بشميهون إد هيي ربي)، والتي تبدأ بها نصوصنا المباركة ، أرجو ان نتوقف قليلا ًعند مفهوم التوحيد في الفلسفة المندائية ، ذلك المفهوم الذي ذهَبَ الكثيرون ممن لم يدركوه ، أن يتهموا مندائيتنا بالأشراك وعبادة آلهةٍ وصفاتٍ وكواكبٍ من دون الحي العظيم .
يبدو واضحا لكل مَنْ تبحّرَ أو تأملَ في نصوصنا المندائية ، بل وفي صميم عقيدتنا، أنَّ هناك فلسفةً مندائية ً رائعة ً في التوحيد ، ولنسمِّها ((فلسفة التجسيد)) ، أي تجسيد لصفات الخالق (وليس الخالق ذاتهِ) ، فالنورُ مثلاً صفة ٌ مقدسة ٌ للخالق، وكذلك المعرفة واليردنا وكثيرٌ من أسرار الخليقة . إن الخليقة َ بذاتها هي وليدة الخالق ، والحياة العظمى المخلوقة هي أحدى صفاته ، بل هي تتحدث بصفة الخالق أحياناً كثيرة في نصوص كنزا ربّا الفريدة . كيف يمكن لنا أن نُدركَ - نحنُ البشر – الخالق إلاّ من خلال ِ خليقتهِ ومن خلال مفردات العقل الأنساني المحدودة .
وكما تعرفون فإنّ المندائية تصفُ الخالقَ بكلِّ الفضائل ، بل أنّ الخالق لا تحّدهُ صفة ٌ ولا يستوعب عظمته مكان أو حدود ( مَن يُسبّحُك تسبيحكَ ،فتسبيحكَ لا يُحَد) ( عُمقُك لا يسبّر وقدرتُكَ لا تُحصَر ) كنزا ربّا ..لذلك كان تسبيحنا لقدرته تسبيحاً له ، وباتت اليردنا والنور والمعرفة والعين والنخلة.... ، كلها مقدسة.
ولكي أصلُ لمقصدي وبما أسميته ب ( فلسفة التجسيد) ، فلنأخذ مثلاً آخر : حين نستنجد ، ننادي ونقول (( يا منداد هيي )) - مباركٌ إسمُهُ – فأننا بذلك لا نشرك مع الحي ملاكاً أو أُثري ، بل نقصد مناداة الخالق بأعظم صفاته وأسمائه ، حيث أن (مندادهيي) حينما لايأتي مسبوقا بكلمة (ملكا) لا يعني الملاك المبارك المعروف ، ولكن يعني هنا (معرفة ُ الحي) أو (معرفة ُ أو عارف الحياة ) ، ومن يعرف الحياة غير الحي ؟ ،وعليه فالمقصود هنا في دعائنا ورجائنا هو الخالق العظيم ، ولكن بأعظم صفاته وأسمائه ، وكذلك الأمر حين نقول (( يا هيبل زيوا )) أي (يا واهب النور) ، ومن غيره يهب النور والضياء . ويمكنك أن تقيسَ هذا على كلِّ الاسماء المركبةِ والصفات. وهنا بيت القصيد .. أي أن كل المخلوقات من ملائكة وأثريين وجميع الأسماء السرية والمقدسات هي صفاتٌ للخالق وصفة ٌ لقدرتهِ.
الآن إسمحوا لي أن أعرب ال( بشميهون إد هيي ربي)
بشميهون: الباء حرف ُ جر ، شوم : وتعني( اسم ) وقد حذفت الواو مع إضافة الباء والضمير المتصل لسهولة اللفظ ، الياء : للجمع ، والضمير المتصل (هون) هو للجمع للغائب. أي إن الترجمة الحرفية هي باسمهم (وليس بأسمائه).
وهنا هو ما يجب التوقف عنده ، وهو ما دفعني لمداخلتي هذه .. فماذا يقصد ب (بسمهم ) ومن هم ؟ ، وهذا ما سأوضحه لاحقاً
إد: وتأتي أيضا بمعنى إنّ ( وليس بمعنى أل فقط ) / راجع القاموس العبري( قوجمن).
هيّي : أسم الجلالة , مفرد جاءَ بصفة الجمع للتفخيم والتمجيد والتعظيم ، ويراد به الواحد الذي من نفسه إنبثق ، وأنها لا تعني ( حيوات ) أي جمعاً للحياة .
ربّي : صفة ُ العظمة ، وجاءتْ بصيغة الجمع لأنها تتبع الموصوف في الإعراب (والذي هو في الأصل مفرداً، هيي ، ولكن جاءَ بصيغةِ الجمع ) لذلك هي صفة للمفرد وليستْ جمعاً ، أي إنها تعني (عظيم) ، ومفردها اللغوي هو ربّا.
أي إن الترجمة الحرفية للجملة ستكون
(((بسمِهُم إنَّ الحيَّ عظيمٌ )))
وبألاستفادة من المقدمةِ ومفهوم الوحدانية وفلسفة التجسيد يمكننا أن نتجرّأ ونزيدَ خطوة في ترجمة البسملة المندائية (البشميهنوثة) فنقول :
المقصود هنا ب ( بسمهم ) هو كلّ ما خُلِقَ ، وكلّ الاسماءِ والأسرار التي عرفتها العوالمُ والتي عُلّمَت لآدم وبنيه ، بل وأسماء الملائكة والاثريين والتي هي تجسيد لقدرته ، أي أن العبارة ستكون بعد تأخير الخبر :
(إنَّ الحيَّ عظيمٌ بصفاتهِ) أو (إنَّ الحيَّ عظيمٌ بقدرته )
وهنا نلاحظ إن البسملة المندائية ليست مجرد ذكرٌ للخالق أو التبارك بالابتداء به ، بل إنّها جملة ٌ كاملة ٌ من مبتدأ وخبر ، فيها أعتراف مطلق بالخالق وبكل تفاصيل وخطوات وآليات الخلق وبالنور والمعرفة والحياة العظمى . وأرى إنّهُ جاز لنا القول: (( بأسماءِ الحيّ العظيم )) أو ((بسمُ الحيّ العظيم )) ما دامت تدل على المعنى نفسه والأعتراف بوحدانية وقدرة الخالق ، ولكن يجب أن نعرفَ ونُعرِّف ، إن خلف هذه البسملة التي تكاد ُتتفرد بها المندائية معانٍ ومعالم ، بل عوالمٌ ورموزٌ وصفاتٌ وأسماءٌ وحقائقٌ وقصص.
كما لاننسى أن ننوه بأنَّ هناك عبارة تسبقُ ال ( بشميهون إدهيي ربي ) وتكتبٌ
((ماريّ مشبّا بلبا دخيا )) ،وتُقرأ: ((مشبّا ماريّ بلبا دخيا)) حرصاً على أن يكون أسم الخالق هو البداية دوماً ، وترجمتها (( مُسبحٌ ربي بقلبٍ نقي)).
أو عبارة :
((ماريّ مشبّا كَشطا أسنخون )) وتقرأ (( مشبّا ماريّ كشطا أسنّخون))
وتعني : ((مسبّحٌ ربي ، عهدٌ نقطعُهُ )) .
وبالتأكيد هناك ترجمات أخرى لهاتين العبارتين ، ولكن المعنى واضح وواحد وهو الحرص على أن يبدأ النص بأسم سيدنا وخالقنا (هيي قدمايي ) ناصرُ محبيه .
أسأل الحي لي ولكم الثبات في الكشطا والهيمنوثا ، وأنْ يهبَنا من نورهِ ويزيدَنا من معرفتهِ وأن يرسمنا بسلامةِ العقل والقلب والضمير.
خادم الكشطا
الغني بالحــــي
د.غســـــان صبـــــــاح النـــــــصّار
ميشغان 25 كانون 2015 يوهـاني
الموافق14حزيران 2009 ميلادي
|